الرجعة عند الشيعة الإمامية: العقيدة، الأدلة، والروايات
تُعد عقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية من العقائد التي تثير اهتمام الباحثين في الفكر الإسلامي الشيعي، حيث يؤمن أتباع المذهب الإمامي الإثني عشري بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل البيت، كالإمام علي والحسين رضي الله عنهما، سيعودون إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وذلك في زمن ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
مفهوم الرجعة عند الشيعة الإمامية
بحسب ما قرره علماء الشيعة الإمامية، فإن الرجعة هي عودة بعض الأموات إلى الحياة في فترة ما قبل يوم القيامة، حيث يُبعث المؤمنون الخلّص من شيعة آل البيت لينصروا المهدي ويشهدوا قيام دولته، كما يُبعث الطغاة وأعداء آل البيت لينالوا العقاب الدنيوي قبل العذاب الأخروي.
وهذا يعني أن هناك عقابًا دنيويًا خاصًا لهؤلاء الأعداء، يتم قبل قيام الساعة، كنوع من الانتقام الإلهي، يتمثل في القتل والذل والهوان، على يد الإمام المهدي وجيشه.
أدلة الشيعة على الرجعة
يرى الإمامية أن أدلة الرجعة مستفيضة، بل متواترة من حيث الروايات، ومدعومة بنصوص قرآنية وتأويلات عقلية، وقد نقل كبار علمائهم إجماع المذهب على الإيمان بها، كما ذكر ذلك الطبرسي في تفسيره، والعاملي في تعليقاته، والطوسي في كتبه.
من الآيات التي يستدلون بها:
-
قوله تعالى:﴿ويوم نحشر من كل أمة فوجًا﴾ [النمل: 83]حيث قال الطبرسي إن لفظ "من" للتبعيض، أي أن الحشر في هذه الآية ليس عامًا، بخلاف الحشر الكلي يوم القيامة في قوله: ﴿وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا﴾ [الكهف: 47]. وعليه فهذه الآية تدل على حشر جزئي خاص بالرجعة.
-
قوله تعالى:﴿ثم رددنا لكم الكرة عليهم﴾ [الإسراء: 6]حيث فُسرت لدى بعض المفسرين من الشيعة بأنها تشير إلى عودة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، ويزيد بن معاوية وأصحابه، ليتقاتلوا من جديد، ويُنتقم من الظالمين.
الروايات الواردة في الرجعة عند الإمامية
وردت العديد من الروايات عن الأئمة المعصومين، تؤكد هذا الاعتقاد:
-
عن الإمام محمد الباقر عليه السلام:
"قال لي من لا أشك فيه -يعني أبا جعفر عليه السلام-:y إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعليًا سيرجعان".
-
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
"أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام، وإن الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضًا أو محض الشرك محضًا".
-
وعن الإمام الباقر أيضًا:
"لو قام قائمنا رُدَّت الحميراء (عائشة) حتى يُجلدها الحد، وحتى يُنتقم لفاطمة عليها السلام منها".
-
وعن الإمام الصادق:
"إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم، يكرر ذلك ست مرات".
-
ويروي الطوسي:
"أن المهدي يقتل سبعين قبيلة من قبائل العرب".
أقوال العلماء في الرجعة
قال الطبرسي في تفسيره إن الروايات في الرجعة كثيرة، وتدل على أن الله سيعيد إلى الحياة أولياءه ليفوزوا بنصرة الإمام المهدي، وأعداءه لينالوا العقاب في الدنيا. كما أكد أن عقيدة الرجعة لا تتنافى مع مبدأ التكليف، كما هو حال بعض المعجزات التي لم ترفع التكليف عن الناس.
أما الشيخ العاملي، فعلق بأن الإجماع في المذهب الإمامي قائم على هذه العقيدة، وأن من خالفه لا يعتد بخلافه؛ إما لأنه من أهل التأويل أو من أصحاب التقية أو من القلة النادرة التي لا تخرج عن الإجماع.
الرجعة وعقوبة خصوم أهل البيت
من أبرز أوجه عقيدة الرجعة لدى الشيعة الإمامية أنها لا تقتصر على عودة الأئمة والمؤمنين، بل تشمل أيضًا خصوم أهل البيت، بل وأحيانًا ذراريهم، كما في قول الإمام الصادق:
"إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بأفعال آبائهم".
ومن الأمثلة على من يُعاد للحياة:
-
يزيد بن معاوية وأصحابه
-
قتلة الحسين في كربلاء
-
خصوم فاطمة الزهراء كأم المؤمنين عائشة
-
قريش وبعض قبائل العرب الذين قاتلوا أهل البيت
هل الرجعة خاصة بالشيعة الإمامية؟
أكد العلماء الإمامية أن هذه العقيدة خاصة بمذهبهم، ولا يقول بها أحد من الفرق الإسلامية الأخرى، بل يعتبرونها من العلامات المميزة للعقيدة الشيعية الإمامية، ويستدلون عليها بإجماع العترة الطاهرة، كما في نقل الطبرسي والعاملي وغيرهما.
الخلاصة
تُعد عقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية من المسائل العقائدية الفريدة، والتي ترتبط بشكل مباشر بمفهوم العدل الإلهي ونصرة المظلومين من آل البيت، كما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بظهور المهدي المنتظر عليه السلام. وهي عقيدة يؤمن بها جميع الشيعة الإمامية، استنادًا إلى روايات الأئمة وتفاسير الآيات القرآنية، ويعتبرونها جزءًا من مظاهر التمكين الإلهي والانتقام من أعداء أهل البيت في الدنيا، قبل الجزاء الأخروي.
إرسال تعليق